RSS

Tuesday, January 27, 2009

دماغك يا سعيد

سعيد عبد الظاهر، رجل طيب وكريم ونظيف، وربما بسبب هذه الصفات لم يشعر بالسعادة، أتم الستين قبل شهور ورغم هذا لم يقبل «التمديد» في مؤسسته، التي حاربته لأنه صادق مع نفسه ومع الآخرين، حياته الأسرية هي الأخري ليست علي ما يرام، لا يتحدث فيها ولا يريد.. ولكن المؤكد أنه ترك البيت في المهندسين، وعاد إلي شقته الصغيرة في المنيرة يقول إنها في جاردن سيتي، ولكنها في المنيرة، الشقة لا تزيد علي ستين متراً، «فورها» وأصبحت جميلة جداً، نشاهد معه فيها مباريات كرة القدم، هو أهلاوي جداً، ومع هذا لا يوجد بين أصدقائه من الأهلاوية غير المخرج المسرحي الكبير محسن حلمي وأنا، يمتلك مكتبة موسيقية عظيمة، وصارت أعظم عندما اقتنع بأهمية التكنولوجيا، استطاع أن يضع أجمل ما غني عبد الوهاب علي «فلاشة» 2 جيجا، هو «يفرز» مع الأصوات مثلي، في الشتاء، نعيش مع الأصوات الشتوية، أم كلثوم، عبد الوهاب، عبد المطلب، صالح عبد الحي، عباس البليدي، وديع الصافي، صباح فخري، أنغام.. ونجح في عمل توليفات من الألحان القريبة من بعضها، نذهب إليه لأننا نشعر بالسلام عنده، هو لا يغتاب أحداً، وفي «قعدته مرحبا» علي حد تعبير فؤاد حداد، يمتلك سيارة «فولكس بيتلز» منذ سنة 1980، هو لا يحتاجها الآن، ولكنه يستخدمها فقط لشراء الفول من السيدة زينب والفحم من «حارة الروم» في الغورية، دائما أنيق، يلبس الأحذية المستوردة، يثق في كل المنتجات المصرية إلا الأحذية، يحب جمال عبد الناصر جداً ويحب السادات أيضا، ولا يكره الرئيس مبارك ولكنه عاتب عليه، يضع كل الأغنيات الوطنية علي فلاشة «2 جيجا»، يذيعها علينا عندما تكون هناك كارثة، في انتصارات الأهلي «أو المنتخب» يسمعنا شادية وليلي مراد وعبد الحليم ووردة وسعاد حسني وهدي سلطان ومحمد قنديل، هي أصوات الربيع والصيف كما يسمها، توقف عن التدخين وهو في الخامسة والخمسين وعاد إليه بعد غرق العبّارة، آراؤه في الناس تظهر علي ملامحه، ولكنه لا يقول شيئا، هو فقط يريد أن يجد أصدقاءه إلي جواره، المكان لا يحتمل وجود أكثر من خمسة أشخاص، لا يتدخل إلا إذا ارتفع الصوت، يقول دائما «عندنا ثانوية عامة»..ويكره مثلي الحديث الحاد، لأنك في أي مكان ستجد من يتحدثون بصوت عال في القضايا نفسها، التوريث، الفساد، الأزمة، دائما توجد أزمة يتحدث الناس فيها، وفي المرات التي يتحدث فيها يستوقفه صديقه التاريخي عبده علي ويقول له «دماغك يا سعيد!».. حتي لو كان الحديث عن المرور، لا تعرف لماذا يفعل معه هذا؟!..وكنا نشعر بالاستياء معه.. ولكنهما أصدقاء وبينهما كلام وحكايات جانبية تمنعنا من التدخل، إلي أن وقعت الواقعة، وتوقف سعيد عن الرد عليه في التليفون، وذهب عبده ولم يفتح الباب له، لابد وأن تذهب إليه بموعد مسبق، سألناه عن السبب، فقال إنه حلم حلما بعده لا يمكن أن يكون عبده علي صديقا، كيف؟! قال: حلمت إننا علي الجبل، علي أعلي نقطة في جبل موحش، كان عبده يجلس علي الأرض «مربعا» وأمامه إناء كبير يحتوي علي شيء يشبه العجين، وكان يلف من هذا «الشيء» سجائر، تستطيع أن تأكل وتدخن منها، أعطاني واحدة، وقال لي اجلس جنبي فرفضت، ورحت أتذوقها، وفجأة وقعت، ولم أجد شيئا غير صخرة تتحرك أمسكت بها وأنا أصرخ «الحقني يا عبده».. ولكنه نظر إليّ وأنا علي وشك السقوط وقال لي «دماغك يا سعيد!».. وقال سعيد أيضا «هل هذا صديق فعلا؟».. محسن حلمي وأنا قررنا عمل «قعدة صلح»، وحكي سعيد الحلم، فقال له عبده: ألم أقل لك ونحن علي قمة الجبل اجلس جنبي؟ أجاب: حصل..
فقال له عبده «دماغك يا سعيد!».ا

كتبها إبراهيم داوود
نشرت في الدستور